مقال بعنوان ( لاهجرة بعد الفتح) للشيخ اشرف سلامه
بقلم فضيله الشيخ اشرف عبد الحفيظ سلامه
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وبعد ،،
إن حادث الهجرة النبوية كان من أهم وأبرز الأحداث في التاريخ الإسلامي .
والناظر في رحلة الهجرة يجد أنها توزعت إلي أدوار مختلفة علي عدة أشخاص وقام كل واحدٍ منهم بدوره على أكمل وجه وتمت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أتت ثمارها العظيمة من أمانة دولة الإسلام وترسيخ قيم التكافل الإجتماعي بين المسلمين على اختلاف أنسابهم وأعراقهم ، ولم تكن الهجرة مفترضة بالجملة على أحد إلا على أهل مكة فقد أفترض الله تعالى على المسلمين الهجرة إلي نبيهم حتى فتح عليهم مكة ومن كان مهاجراً لم يجز له الرجوع إلى مكة وإستيطانها وترك رسولنا الكريم بل أفترض عليهم البقاء معه صلى الله عليه وسلم وحينئذٍ قال رسول الله في الحديث الذي رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنْهَما قَالَ قالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلكنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفرِتُمْ فانْفِرُوا) .
قال بعض العلماء أن المقصود بقوله (لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ) هناك تفسيران :
أولهما: أنه لاهجرة بعد الفتح من مكة لأنها صارت دار إسلام وهذا يعتبر معجزة له صلي الله عليه وسلم وعلم من أعلام نبوته بأن مكة تبقي دار إسلام لا يُتصور منها الهجرة .
التفسير الثاني: أي لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضلها ما قبل الفتح كما قال تعالى ( وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (الحديد آية ١٠) ،
ومعني قوله( وَإِذَا اسْتُنْفرِتُمْ فانْفِرُوا) أي:إذا دعاكم السلطان إلي الغزو فاذهبوا .
إذن الهجرة بالإنتقال من مكان إلي دار الهجرة إنقطعت بفتح مكة كما ذكر رسول الله في الحديث السابق لأن مصدر العدوان الجاهلي يومئذٍ كان مكة ، وقد يلتبس على البعض فهم هذا الحديث النبوي لاسيما لمن لم يكن له إطلاع على أقوال أهل العلم في شرح الحديث وتفنيد أقوال العلماء للمسألة ، لذا نجد بعض النداءات التي تظهر على وسائل التواصل الإجتماعي من بعض الجماعات والتي تدعو الشباب إلي الهجرة من مجتمعاتهم وأوطانهم وتدعي أن المجتمعات الإسلامية الآن مجتمعات جاهلية وكافرة ومعوجة السلوك إلي الحد الذي يخشى المسلم فيه على دينه وخُلُقه ومن هذا المنطلق الفاسد يري هؤلاء المضللون أن الهجرة من المجتمعات الإسلامية واجبة كوجوب الهجرة من مكة قبل الفتح الذي صارت به دار إسلام وهذا مفهوم خاطئ يتنافى مع يُسر الإسلام وتشريعاته ، فهذه الجماعات المتطرفة تُروج لمفهوم الهجرة كمفهوم خاطئ يشوبه الكثير من المغالطات ويؤدي إلى التهلكة حيث تُقنع هذه الجماعات الشباب بأن مفهوم الهجرة مرتبط بالهجرة إلى الله والجهاد في سبيل الله وأن هذا الجهاد المزعوم يتمثل في إستباحة دماء الآخرين وأموالهم وأعراضهم وهذا يخالف ما جاء في تعاليم ديننا الحنيف ، والعجيب أن هذه الجماعات المتشددة يستدلون على هجر المجتمع ببعض الآيات الخاصة بالهجرة من مكة إلى المدينة ومنها :قوله تعالى (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَىْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ ۚ) ( سورة الأنفال ايه 72)، وقوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَٰئِكَ مِنكُمْ ۚ)(سورة الأنفال ايه 75) وغيرهما من الآيات الواردة في الهجرة النبوية حيث أن الهجرة في هذا الوقت كانت واجبة لأسباب غير موجودة في مجتمعات المسلمين اليوم فعامة بلاد المسلمين لا يوجد فيها ما يدعو إلي الهجرة منها لتكوين مجتمع إسلامي جديد فهي ليست مجتمعات كافرة وليست دار كفر وليست مجتمعات مُنحلة الخُلُق مُعوجة السلوك إلي الحد الذي يخشى المسلم فيها على دينه وخُلُقه ، وبلا شك هذه الجماعات مخطئون في حُكمهم على المجتمع بالكفر إذ كيف يكون بلد يُرفع فيه الأذان وتُقام فيه الصلوات ويُمارس المسلم شعائره الدينيه في أمن واطمئنان كيف يكون دار كفر وإذا كان هناك بعض الأخطاء والسلبيات في مجتمع ما فالواجب أن يقوم كل شخص في المجتمع بواجبه الشرعي نحو تصحيح الأخطاء بقدر المستطاع أما هجر المجتمع الذي كثرت فيه المنكرات فهو مشاركة في إفساده وإهلاكه فعن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيّ قَالَ:( مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا) .
فالهجرة في الإسلام هو التحول الإيجابي نحو البناء وحُسن الأخلاق والتعمير في المجتمع فهذه هي الهجرة المطلوبة ، وهنيئاً للعابدين في زمن الفتن والطائعين في وقت اللهو فإن ثواب طاعته يتضاعف ويصل أجرُه وثوابُه إلي أجر الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعن مَعقِلِ بن يسارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (العِبَادَةُ في الهَرْجِ كهِجْرةٍ إلَيَّ) رواهُ مُسْلمٌ.
والمقصود بالهرج: هي الفتنة في آخر الزمان .
فالهجرة التي نحتفل بأحداثها هذه الأيام لابد أن يكون لنا وقفة تأمل في دلالتها الكثيرة فلولا هذه الهجرة لما قامت دولة الإسلام فعلينا أن نأخذ من هجرة رسولنا الكريم درساً وعظة لتكون نبراساً لنا في حياتنا .
فاللهم جنبنا مضلات الفتن وأن يرحمنا ويجبر كسرنا ويلطف بنا وبإخواننا المسلمين في كل مكان ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
تغطية قوية على مدار الساعة
ويقدم موقع "البحيرة اليوم "، تغطية قوية على مدار الساعة، ورصد لأهم الأنباء والأخبار المحلية والعالمية، وتغطية خاصة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة، أخبار مصر، أخبار الاقتصاد، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، أخبار الحوادث.
كما يتابع "قسم الرياضة بالموقع" أبرز الدوريات العالمية كـ الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، إضافة إلى أخبار الفن والنقابات المختلفة.. فتابعونا.