محمد فلفل
شخصية اليوم شخصيةٌ استثنائية حقًا ، فما عانته من ظروف الحياه ومعاندتها لها ، وما تكبدته من قسوة القدر عليها ، وضياع السعادة من بين يديها ، وبرغم هذا تُبدع فى عملها ، وتتفوق على نفسها ، وتكتسب حب كل من حولها ، سواء زملاء العمل أو المرضى الذين تقوم على تطبيبهم ورعايتهم ، هذا كله يجعلها فى مصاف الإستثنائيين ، وفى مقدمة من قهروا الظروف وحطموا الصعب ، وصنعوا من المأساة طريقًا للهدى والنور .
فمنذ أن بدأت سعاد رحلتها العملية فى مجال التمريض ، ادركَت أنها تعمل فى أسمى مهنة بشرية ، وهى تطبيب ورعاية المرضى ، وأنها احدى ملائكة الرحمة ، وجنود الله فى الأرض ، الذين اختصهم الله فى الأرض لنشر الرحمة والأمل فى قلوب عباده ممن ابتلاهم الله بالمرض وممن فقدوا صحتهم وعافيتهم ، ومنذ ادراكها لتلك الحقيقة وهى تعمل جاهدةً على بذل كل جهد من أجل التخفيف عن كل مريض ، و مجرد خروج آهةٍ واحدة من فم مريض ، كفيلةٌ بأن تجعل عين سعاد لا تعرف النوم ، حتى تخفف من ألم ذلك الشخص ، وتحاول جاهدةً ، أن تحد من معاناته بكل الطرق .
فسعاد صديقةٌ لجميع المرضى المترددين عليها للغسيل الكلوى ، تستمع اليهم وإلى شكواهم من المرض أو من ظروف الحياة ، حتى المشاكل الأسرية للمرضى فهى تستمع اليهم بإعتبارهم أصدقاء لها وتحاول مساعدتهم بكل الطرق ، أو حتى المساعدة بمجرد الإستماع وابداء النُصح .
كل هذا جعلها قريبةً من قلوب ونفوس المرضى ، واستحوزت على اعجابهم ، ونالت رضاهم ، وأصبحت ابنةً وأخت لهم جميعاً .
أما على مستوى زملاء العمل فهى على علاقة جيدةٌ جدًا بجميع زملائها ورؤسائها ، وهى محبوبةٌ من الجميع ، ويشهد لها الجميع بحسن الأخلاق والأدب والإحترام ، وهى مثار فخر ومثال للأدب ، ويُضرب بها المثل فى الهدوء والرزانة والأخلاق الحميدة ، وهى أختٌ لهم جميعًا .
وهى تتذكر جيدًا موقف مهم جدًا فى حياتها ، وتقول لن انساه طوال عمري ، وهو أيام جائحة الكورونا ، وتحديدًا فى شهر ديسمبر ٢٠٢٠ م ، حيث كانت مستشفى كفر الدوار العام مكان للحجر للحالات المصابة ، وكانت الحالات فيها كثيرة ، وتم استدعاء التمريض للعمل بها من كل مستشفيات البحيره .
وكانت رئيسة التمريض بالمستشفى تبعث بمجموعة من التمريض كل أسبوعين ، لدعم مستشفى كفر الدوار العام .
وتم ارسال اسمها من أوائل الذين سيذهبون لكفر الدوار ، وكانت تعيش فى ذلك الوقت فى ظروف أسرية صعبة ، حيث كان زوجها دائم السفر لعمله ، وابنها يعاني من حساسية شديدة على صدره وسنه كان صغير .
وتقول في البداية كنت خائفة كالجميع مما نسمعه عن الكورونا ومما تحدثه من حالات وفيات كثيرة ، ووجدت نفسى اعترض لظروفى الشخصية الصعبة ، وعندما تحدثت مع والدى ، وجدته يبعث الطمأنينة فى نفسى ، ويشجعني على الذهاب وترك ابنائي لديه ، ويقول لى توكلي على الله وان شاء الله خير ، وأحسست بالطمأنينة تتسلل داخلى ، والسَكِينة فى قلبي ، وسافرت أسبوع فى مستشفى كفر الدوار ، وتركت ابنائي ما بين والدى وحماتى أم زوجي ، وعندما انخرطت فى العمل وبدأت رحلة الكفاح مع زملائي ضد هذا العدو الخفي ، زال من قلبى كل خوف ، بل تشجعت أكثر وأكثر ، وضحكت من داخلى على كل الهواجس والأفكار التى تملكتني وجعلتنى أرفض الذهاب فى بداية الأمر ، وحزنت كل الحزن لمجرد تفكيري فى الإعتراض وعدم الذهاب ، فما رأيته فى معاناة الناس مع المرض ، وحصده لأرواح الكثيرين ، حفزني أن أكون درع لهم يحميهم مع باقى زملائى من جنود الجيش الأبيض ، وحتى وقتنا هذا عندما اتذكر تلك اللحظات الرهيبة التى عشتها مع المرضى أحزن لمجرد أننى فكرت لحظة فى ظروفى الشخصية وظروف ابنى المريض ، دون التفكير فى عشرات المرضى بل المئات ممن أصيبوا بالكورونا فى تلك الفترة ورأيتهم أثناء عملى فى مستشفى كفر الدوار .
وتقول بعد العودة من عملى بالحجر بكفر الدوار ، أخذت اسبوع عزل منزلي في البيت ، وكنت خائفة أن أكون أصيبت بالكورونا وأنقل العدوى لأهلى وابنائي ،
ولكن الله سلم ومرت على خير والحمد لله .
أما على المستوى الأسري فهى أم لإبنة عمرها ثمان سنوات ، وولدٌ عمره خمس سنوات .
وهى أرملةٌ ، فقد فقدت زوجها منذ عامٍ ونصف تقريبًا ، فى فاجعةٍ هى الأقوى فى حياتها ، وهى الزلزال الذى أفقدها دفء السعادة الأسرية ، وحرمها من الرجل الذى ملأ حياتها بالحب والسعادة ، وغمر منزلها بالعطف والحنان .
فهى لا يمكن أن تنسى ابدًا ذلك اليوم الذى اهتزت حياتها فيه ، حيث توقفت الساعة عن الدوران ، وتاه الإحساس بالزمان والمكان ، وارتجت ثناياها بسماع خبر وفاة زوجها ، وتوقف نبض قلبها ، واختنقت كل خلاياها الذهنية والحسية ، فلم تستوعب سماع النبأ ، وسيطر عليها الذهول ، وتبلد عقلها عن التفكير ، ورفضت تصديق أى كلمة تسمعها .
وتحكى سعاد عن ذلك اليوم ، وهى تتذكر تلك اللحظات الصعبة التى عاشتها ، وهى تبكى وتقول : (فى أحد أيام شهر ٤ سنة ٢٠٢١ جه خبر وفاة جوزي الله يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته يارب العالمين ، اليوم ده عمري في حياتي ما هنساه ، كنت صاحيه الفجر رايحه الشغل عادي ، كان عندي شيفت الساعة ٥ الفجر ، ونازله رايحه الشغل ، جالي تليفون وانا لسه على الباب بأرد ، وأنا خارجه … لقيت جارتي صوتها لسه بيرن في وداني…
بتقولي سعاد … انتي رايحه فين دلوقتي ؟؟
متروحيش الشغل ؟؟
أحمد جوزك مات في حادثة وهو بيعدي الطريق ،
سمعت الخبر وكأني بحلم …
مش مصدقه أي حاجة ، والتليفون طبعا نفس الخبر )
ومنذ ذلك الحين وهى لمدة تزيد عن الشهر ، ترفض كل شئ ، ترفض الكلام وترفض الطعام والشراب ، وترفض الذهاب للعمل ، وترفض الحياة ذاتها ، واستسلمت للضياع ، وانصاعت للإنهزامية ، وتمنت الموت أن يأتيها ليريحها من عناء ما هى فيه ، وما تعيشه من آلام .
وأثناء ما هى فيه وماتعيشه مع تلك الظروف الصعبة ، كانت رحمة الله كفيلةٌ بها وتتغمدها ، فلم يتركها الله تعيش حياتها بتلك الطريقة الإنهزامية ، وسرعان ما تسلل النور إلى قلبها ليهديها سُبل الرشاد ، وينعم الله عليها بالسكينة التى افتقدتها ، ويمنحها الطمأنينة التى انسلبت من بين يديها .
كل هذا بفضلٍ من الله ونعمةٍ منه ، وبدعم والديها لها ، حتى استطاعت عبور تلك المحنة على خير ، وبدأت تعود للعمل تدريجيًا ، وتنخرط فيه ، وتعطى كل تركيزها لعملها ، وعلى حد تعبيرها ( بمعنى أصح كنت بشغل نفسي بشغلي )
واستطاعت سعاد أن تتغلب على محنتها وظروفها القهرية ، وتبدع فى عملها ، حتى رشحتها مشرفة القسم أن تكون الممرضة المثالية لقسم الكلى لعام ٢٠٢٢م ،
وتم تكريمها من قِبل مدير المستشفى الدكتور محمود بدوي ، والأستاذة رانيا حسيب رئيسة التمريض في شهر أغسطس الماضى .
وما زالت سعاد تؤدى عملها بمنتهى الإجادة ، والحيوية والنشاط ، وبروحٍ وعزيمة جعلت كل من حولها يحبها ،
وعندما تواصلت مع سعاد لأعرف بعض التفاصيل عن حياتها لأكتب عنها ، طلبت مني فى رسالتها …
( استأذن حضرتك انك تكتب ان الفضل للي انا فيه حاليا هو بفضل ربنا اولا ، وتشجيع بابا وماما ليا ، ربنا يبارك في عمرهم ، وبفضل دعوات مرضى الغسيل الكلوي .
على فكره أنا دايما بحمد ربنا على اللي أنا فيه عشان عارفه اني احسن من غيري بكتير ، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه )
كل الشكر والتحية لسعاد ولجميع جنود الجيش الأبيض ، الذين يعملون فى صمت ، ويحملون على عواتقهم هموم المرضى ، وجزاهم الله عنا جميعا خير الجزاء .
وحَريٌ بي أن أذكر مس ( H ) التى رشحت لى تلك الشخصية الجميلة لأكتب عنها ، وطلبت مني عدم ذكر اسمها لمس سعاد ، أو لحضراتكم ، فلها كل الشكر والتحية والتقدير ، وجزاها الله خير الجزاء ، نظير سعيها للخير ، وقصدها جبر خاطر انسانة مجتهدة ، وقد قمت بسؤال رؤسائها عنها قبل الكتابة عنها ، فأكد لى الجميع أنها تستحق فعلاً أن تكون استثنائية ، وهى فعلاً استثنائية .
تغطية قوية على مدار الساعة
ويقدم موقع "البحيرة اليوم "، تغطية قوية على مدار الساعة، ورصد لأهم الأنباء والأخبار المحلية والعالمية، وتغطية خاصة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة، أخبار مصر، أخبار الاقتصاد، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، أخبار الحوادث.
كما يتابع "قسم الرياضة بالموقع" أبرز الدوريات العالمية كـ الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، إضافة إلى أخبار الفن والنقابات المختلفة.. فتابعونا.